منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

الامارة للواقع ام خالفت ومعنى الطريقية هو تنجيز الواقع عند المصادفة والعذرية عند المخالفة بنحو لا تحدث مصلحة في المؤدى وليست الغاية من جعلها سوى

_________________

هناك قبح اصلا نظير حق الشفعة للشريك إذ ربما يتضرر مع الشريك اللاحق فلا يكون التعبد بالامارة موجبا لتفويت المصلحة او الغرض مع تحقق المصلحة النوعية على ان طريقة الشارع بالنسبة الى الطرق انما هي امضاء لطريقة العقلاء ويكفى في تحقق الامضاء عدم تحقق الردع ، والردع انما يتحقق فيما اذا كان الطريق غالب المخالفة كالقياس مثلا ، واما مع قلة المخالفة بنحو يتدارك مع مصلحة التسهيل لا معنى للرفع ، واما مع الانسداد فلا مجال لتأتي الشبهة إذ في حال الانسداد لا بد من العمل بالظن لكونه أقرب الى الواقع مع عدم وجوب الاحتياط التام واما على السببية فهي على ثلاثة أقسام :

الاول أن يكون قيام الامارة يحدث حكما في الواقع كما هو المنسوب الى الاشاعرة فهو على بطلانه للزوم الدور الواضح انه لا حكم في الواقع لكي تتأتى الشبهة وانما هو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

الثانى قيام الامارة يكون من قبيل طرو عنوان ثانوي كمثل الحرج والضرر بنحو تكون عند المخالفة تبدل في الواقع وينقلب عما هو عليه ويكون الحكم الواقعي هو مؤدى الامارة كما هو المنسوب الى بعض المعتزلة فهو وان لم يكن مثل سابقه بالبطلان لكونه أمرا معقولا إلا انه مخالف للاجماع والروايات الدالة على بقاء الحكم الواقعي ولا موجب لتغيره عما هو عليه وانه يشترك العالم والجاهل فيه ومع ذلك كله لا تتأتى تلك الشبهة لانقلاب الحكم الواقعي مع تحقق امارة على الخلاف ويكون مؤدى الامارة هو الحكم الواقعي.

الثالث ان قيام الامارة يحدث مصلحة في سلوكها وهذه المصلحة لا تزاحم الواقع بل يتدارك بها بمقدار ما فات من المكلف بسبب قيام الامارة على الخلاف

١٢١

كونه طريقا الى الواقع فمع المصادفة تترتب المثوبة والعقوبة على الواقع ومع عدم المصادفة لم تتحقق عقوبة ومثوبة سوى المثوبة على الانقياد وعقوبة على التجري

_________________

وذلك يختلف باختلاف مقدار السلوك فلو قامت امارة على وجوب صلاة الجمعة فالعمل على طبقها فيه مصلحة فلو انكشف الخلاف فتارة قبل انقضاء الوقت واخرى بعده وثالثة لم ينكشف الى آخر العمر ففي الاول يتدارك بمتابعة الامارة فضيلة الوقت وفي الثانية مصلحة الوقت وفي الثالثة يتدارك مصلحة اصل صلاة الظهر مثلا والسببية بهذا المعنى يقتضى عدم الاجزاء إذ الامارة لم تحدث مصلحة في المؤدى لكي يلتزم بالاجزاء او التصويب كما هو لازم الوجهين الاولين وانما المصلحة في تطبيق العمل على المؤدى وبذلك قال الشيخ الانصاري (قده) وان اضاف لفظ الامر بعض أصحابه قبل العمل فتكون العبارة إلا ان الامر بالعمل على طبقها الخ ، نظرا الى ان نفس المؤدى على هذا الفرض لا مصلحة فيه وان المجعول هو الحجية وهي من الاحكام الوضعية التي لا تعلق لها بعمل المكلف فلا عمل لكي يشتمل على المصلحة فلا بد من اضافة لفظ الامر لكي تكون المصلحة فيه ففيه ما لا يخفى اولا ان الحجية حكم وضعي منتزع من الحكم التكليفى بناء على ما اختاره (قده) فحينئذ يتعلق بالعمل لتعلق منشأ الانتزاع وعلى تقدير تأصلها بالجعل فالمصلحة تكون في المجعول لا الجعل وكيف كان فالسببية بهذا المعنى وان كانت معقولة ولم يكن اجماع على خلافها إلا أنه لا دليل على اعتبارها ولكنه مع ذلك يكفى احتمالها في رد دعوى الامتناع عن ابن قبة واما المحاذير من ناحية الخطاب كاجتماع الضدين أو المثلين بتخيل ان التعبد بالامارة يستلزم ذلك فيمتنع صدوره من الحكيم ولكن لا يخفى ان مؤدى الامارة هو الحكم الظاهري فان كان صادرا عن مصلحة الحكم الواقعي فلا يلزم ذلك المحذور وان

١٢٢

الثاني القول بالموضوعية مطلقا اى سواء وافقت الامارة الواقع ام لا ومعنى الموضوعية فيها هو انه بقيام الامارة تحدث مصلحة في قبال الواقع ويكون الثواب والعقاب على الامارة لا على الواقع.

_________________

كان انشاؤه غير انشاء الحكم الواقعي فان تعدد الانشاء لا يوجب تعدد الحكم ومع عدم تعدده فلا محذور راجع الى ناحية الانشاء والخطاب ، واما اذا انشأ الحكم الظاهرى عن ملاك غير ملاك الحكم الواقعي فلا محذور لو كان متماثلين لكونهما من قبيل العامين من وجه في مورد الاجتماع إذ في ذلك المورد لا يلزم منه اجتماع المثلين ، واما مع مخالفة الحكم الظاهرى للواقعي فيتخيل فيه اجتماع الضدين وهو محال وقد اجاب القوم بأجوبة مختلفة وبها يرتفع اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهرى منها ما اجاب به الشيخ الانصاري (قده) باختلاف الموضوع بينهما إذ الموضوع في الحكم الواقعي هو الافعال بعناوينها الاولية وفي الحكم الظاهري بعناوينها الثانوية اى بما هي مشكوكة ومع اختلاف الموضوع لا تضاد اذ شرطه وحدة الموضوع ولكن لا يخفى ان اختلاف الموضوع متحقق في الاصول لأخذ الشك في موضوعها دون الامارات لعدم أخذ الشك موضوعا لها كما وقد اجاب المحقق الخراسانى (قدس‌سره) بان اجتماع الحكم الظاهري الواقعي لا يلزم منه محذور اجتماع المثلين او الضدين لاختلافهما بالشأنية والفعلية فان الحكم الواقعي شاني والظاهرى فعلى او بان الحكم الواقعي انشائي والظاهري فعلى أو ان الحكم الواقعي فعلى من بعض الجهات والظاهري فعلى من كل الجهات ، او الحكم الواقعي نشأ عن ارادة والحكم الظاهري حكم طريقى لم ينشأ عن ارادة. هذا بناء على ان يكون المجعول في الامارات هو الحكم التكليفى وان الحجية امر منتزع واما بناء على جعل الحجية من دون أن تستتبع حكما تكليفيا فلا حكم لكي يجتمع الحكمان المثلان او الضدان

١٢٣

الثالث التفصيل بين التوافق والتخالف فعلى الاول الطريقية وعلى الثانى الموضوعية والذي يقتضيه النظر الدقيق هو القول الاول وهو القول بالطريقية ولم تكن هناك مصلحة سوى مصلحة الواقع والعقوبة والمثوبة على

_________________

ولكن لا يخفى انه ما المراد من الحكم الواقعي الشأني فان كان عبارة عن ثبوت المقتضي له من دون امتناع حكم لقيام الامارة على الخلاف فلازمه ان لا يكون للجاهل حكم واقعي وذلك هو التصويب الاشعري الواضح البطلان وان كان عبارة عن ثبوته للاشياء بعناوينها الاولية علي مقتضى طبعها فلازمه انه بقيام الامارة على الخلاف يكون مما يطرأ عليه عنوان ثانوى فيتبدل الحكم فهو من التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه على ان فعلية الحكم الواقعي انما يتحقق بتحقق موضوعه فمع تحققه يستحيل عدم فعليته إذ هو من قبيل تخلف المعلول عن العلة فعليه لا يكون الحكم الواقعى مقيدا بعدم قيام الحجة على الخلاف فلازمه عند قيامها اجتماع الحكمين الفعليين وهو محال للزوم اجتماع الضدين ومع تقيده بعدم قيامها على الخلاف فلا فعلية له الملازم لعدم ثبوته هو التصويب المجمع على بطلانه وقد اجاب الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) بما حاصله ان في الامارات المجعول هو مجرد الوسطية وتتميم الكشف فلا حكم حتى ينافي الواقع ليقع التضاد او التصويب كما ان في الاصول التنزيلية ليس المجعول أمرا مغايرا للواقع بل الجعل الشرعي تعلق بالجرى العملى على المؤدى على انه هو الواقع واستفاد ذلك من بعض اخبار قاعدة التجاوز (بلا قد ركع) فان كان المؤدى هو الواقع فهو وإلا كان الجرى العملى واقعا في غير محله من دون ان يكون قد تعلق بالمؤدى حكم على خلاف ما هو عليه ، واما الاصول غير التنزيلية والاحكام الواقعية لا تكون محركة ما لم تصل الى مرتبة الوصول

١٢٤

الواقع لا على مؤدى الطريق ، والدليل عليه هو ان ديدن الشارع امضاء طريقة العقلاء ، ولا اشكال انا نجد من اهل العرف عند الاخبار عن شيء لم يكن غرضه إلا التوصل الى الواقع وقد اعتبر الخبر للوصول اليه من دون غرض

_________________

وهي مرتبة التنجيز والعذرية وهذه المرتبة متأخرة عن مرتبة الحكم الواقعي وللشارع ترك التصرف بهذه المرتبة إلا فيما لو كان الحكم الواقعى له اهمية بنظره فلا يرضى بتركه فيجب عليه ايصال التكليف ولو بايجاب الاحتياط وهذا ناشئ عن مصلحة الحكم الواقعي واما لو لم يكن الحكم الواقعي قد بلغ بتلك الاهمية فللشارع ترك المكلف واتّكاله الى عقله لتجرى في حقه البراءة او نصب دليل دال على الترخيص.

وبالجملة الحكم الظاهري في طول الواقعي ومع هذه الطولية لا تضاد بينهما ولكن لا يخفى ان اختلاف المرتبة لا يرفع التضاد إذ مع تحققه وفعليته كيف يرخص في الترك ولا يقاس على الترخيص العقلي لتعدد الحاكم في المقيس عليه ووحدته في المقيس على ان العقل ليس له حكم تكليفى وانما يدرك استحقاق العقاب في مورد عدم البيان بخلاف الترخيص الشرعي الذى هو حكم تكليفى.

وكيف كان فما ذكر من الاجوبة محل نظر حسبما عرفت من المتن والحاشية لذا ذكرنا في تعليقتنا على الكفاية جوابا آخر عن شبهة التضاد كما انه به يرتفع اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وحاصله ان الاحكام التكليفية انما هي اعتبار من المولى امرا على ذمة العبد كاعتبار الدين على ذمة المديون ويستفاد من اطلاق الدين على الحكم التكليفي حيث يقول (ان دين الله احق ان يقضى) وهذا المعنى اى كون الحكم الواقعي هو امر اعتبارى على رقبة العبد هو الذي يشترك فيه الجاهل والعالم حيث انه بعهدة البالغ العاقل نعم يختص العالم بكونه ينبعث عنه لعلمه بالحكم وبذلك لا يلزم التصويب وهذا

١٢٥

فى الخبر نفسه وهذا واضح لمن تتبع فيجد استقرار سيرة العرف على ذلك وليس للشارع إلا امضاء طريقة اهل العرف وإلا كان عليه ان يرد عنهم ويخطئهم.

ثم لا يخفى ان الامارة يختلف حالها بحسب حال الانفتاح والانسداد والمراد بحال الانسداد عدم الوصول الى المعصوم (ع) والمراد بالانفتاح هو امكان الوصول اليه (ع).

_________________

الاعتبار الذي هو بعهدة المكلف يكون مسبوقا بالشوق او الكراهة وملحوقا بالانشاء في الخارج وايصال ذلك الى المكلف وعليه لا مضادة بين التكليف بالالزام والترخيص الاعتباريين إلا بالعرض اى من ناحية ما سبق التكليف ومن ناحية ما لحقه اما من ناحية ما سبق التكليف فان الزام المكلف بشىء لا بد وان يكون ناشئا عن مصلحة في الفعل والزام المكلف بالترك لا بد وان يكون ناشئا عن مفسدة في الفعل واجتماع الامرين في شيء واحد غير ممكن فتقع المضادة بين الحكمين من حيث ما سبق وكذا تحصل المضادة العرضية من حيث ما لحق بالتكليف فان التكليف بالحرمة والترخيص بعد وصول كلا التكليفين يوجب المضادة ولا يخفى ان هذه المضادة العرضية انما تحصل مع كون كل من التكليفين واقعيين او ظاهريين ، واما لو كان احدهما واقعيا والآخر ظاهريا فلا مضادة بينهما اما من ناحية ما سبق على التكليف فالتكليف الواقعى ناشئ عن مصلحة في المتعلق والظاهري لم ينشأ عن مصلحة اصلا وانما نشأ عن مصلحة في الجعل كجعل الاحتياط لحفظ الواقع او جعل البراءة تسهيلا على المكلف ، واما من ناحية ما لحق بالتكليف فالتكليف الواقعي عند وصوله لا يبقى موضوع للحكم الظاهري ومع عدم وصوله يكون الواصل الحكم الظاهرى فلا تضاد حينئذ لعدم وصول الحكمين فلا تغفل.

١٢٦

بيان ذلك ان في حال الانسداد الاتيان بمؤدى الامارة ان وافقت الواقع كان الواقع متنجزا ويستشعر منه اهمية الواقع بانه وصل الى مرتبة التنجز وهو لا ينافى الانسداد بالمعنى الذى عرفت وان لم يوافق الواقع فلا يكون الواقع منجزا والاتيان بمؤدى الطريق على خلاف الواقع عذرا وبالنسبة الى المكلف سيان إذ في الصورتين يجب الاتيان بمؤدى الطريق غايته على تقدير المصادفة يكون المؤدى هو الواقع وعلى تقدير المخالفة يكون عذرا ، واما على الانفتاح فحيث انه يصل الى الامام (ع) فلا يمكن ان ينصب للمكلف امارة تخالف الواقع إلا ان يكون مصلحة في سلوكها يتدارك به مفسدة ترك الواقع ، واما الطريق الموافق للواقع فلا مصلحة في سلوكه إذ الواقع منجز بدون نصب الطريق إذ حسب الفرض انه متمكن من الوصول الى الامام (ع) ولا يخفى ان المصلحة السلوكية يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع بمقدار ما فات فتارة يتدارك ما فات منه وقت الفضيلة ، واخرى مصلحة الوقت ، وثالثة مصلحة الصلاة لو لم يحصل الانكشاف الى آخر العمر وكل ذلك يدل على ان الواقع محفوظ ولا يتغير بقيام الامارة على الخلاف لكي يلزم التصويب المجمع على خلافه او القول بالاجزاء إذ مع انكشاف الخلاف يتنجز الحكم الواقعي ويجب الاتيان به ان كان في الوقت يجب أداؤه وان كان في خارج الوقت يجب قضاؤه فافهم وتأمل.

تنبيهان الاول انه اجاب عن اشكال ابن قبة بعض السادة المحققين (قده) بما حاصله ان الاحكام الشرعية انما هي متعلقة بالصور الذهنية الحاكية عما في الخارج لا بنفس الخارج إذ الخارج ظرف السقوط لا ظرف التعلق والثبوت

١٢٧

ولا اشكال في جواز تعدد الحاكى مع وحدة المحكى ، فاذا فرض جواز التعدد فيجوز ايضا اختلاف الحاكيين بحسب الحكمين فحينئذ لا يتحقق هناك تناقض اصلا ولا تضاد لتعدد متعلق الحكمين (١) وفيه ان هذا الجواب لا يدفع به إلا

__________________

(١) وببيان اوضح ان الاحكام لا تعلق لها بالموجودات الخارجية حتى يتوهم ان الفعل الخارجى المجهول حكمه مجمع لموضوع الحكم الواقعي وموضوع الحكم الظاهرى فيلزم اجتماع الضدين في موضوع واحد بل تعلق بالموجودات الذهنية من حيث انها حاكية عن الخارج والعنوان المتعلق للحكم الواقعي مع العنوان المتعلق بالحكم الظاهري لا يحتملان في الوجود الذهنى حتّى يكون هناك عنوانان لموضوعي الحكمين ، وذلك ان موضوع الحكم الواقعي نفس الفعل المجرد عن لحاظ العلم بحكمه والشك فيه وموضوع الحكم الظاهرى هو الفعل بوصف كونه مشكوك الحكم فكيف يجتمع لحاظ التجرد ولحاظ الاتصاف ولكن لا يخفى ما فيه ان شرب التتن مثلا لا يعقل ان يلحظ مجردا عن العلم وعدمه إذ يكون حينئذ مهملا إذ الماهية من حيث هي ليست إلا هي فعليه لا يكون لها اعتبار فلا تكون مطلوبة ولا غير مطلوبة فكيف تلاحظ مع الحكم كما انها لا يعقل ان تكون ملحوظة مجردة عن العلم بنحو بشرط لا فلا بد حينئذ أن تلاحظ بالنسبة الى العلم وعدمه لا بشرط اى لا بشرط القسمى مثلا شرب التتن الذي هو موضوع الحكم الواقعي يلاحظ بنحو لا يكون مقترنا بالعلم ولا بعدمه بمعنى لا بشرط منهما ولازم ذلك ان الذات الذى هو شرب التتن محفوظة في مقام العلم بحكمه وعدم العلم بحكمه فاذا كانت الذات محفوظة في المقامين فيكون شرب التتن مثلا في حال كونه مجهولا قد حكم بحكمين متضادين من حيث ذاته ونفسه قد حكم عليه بالحكم الواقعي ومن حيث كونه مجهول

١٢٨

غائلة اجتماع الحكمين واجتماع المحبوبية والمبغوضية واما اجتماع المفسدة مع المصلحة أو نقض الغرض فلا يندفع بما ذكر. اما الاول فالمصلحة وكذا المفسدة لم تتعلق إلا بما هو خارجى لا بما هو حاكى عن الخارج ، وكذا الثانى إذ

__________________

الحكم محكوما بحكم آخر مضاد له.

وبالجملة ان تعدد الموضوع مع كون الذات محفوظة في المقامين لا يرفع غائلة استحالة اجتماع الضدين ولاجل ذلك اضاف بعضهم الى تعدد الموضوع اختلافهما بحسب المرتبة دفعا لذلك المحال بتقريب ان الحرمة الواقعية موضوعها شرب الخمر مثلا والحلية الظاهرية موضوعها الشك بالحرمة الواقعية ومن الواضح تأخر الشك بها عن الحرمة بمرتبة ، وقد اخذ ذلك موضوعا للحلية الظاهرية فلزم تأخر الحلية الظاهرية التى هي الحكم الظاهري عن الحرمة الواقعية التي هى الحكم الواقعي بمرتبتين ومع اختلاف المرتبة بالتقدم والتأخر لا يجتمع الحكم الواقعى مع الظاهري وحينئذ يرتفع محذور اجتماع الضدين من الجمع بين حكم الواقعى مع الظاهري ، وقد اشكل على ذلك المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته بما لفظه : (فان الظاهري وان لم يكن في تمام مراتب الواقعي إلا انه يكون في مرتبته أيضا وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة) ولكن لا يخفى انه مع تسليم الاختلاف بين الحكم الواقعي والظاهري بالتقدم والتأخر بحسب الرتبة فحينئذ كيف يكون الحكم الواقعى في مرتبة الظاهري وذلك ينافى كون الحكم الواقعي في المرتبة المتقدمة والظاهرى متأخر بمرتبتين إلا ان الكلام ان الاختلاف بحسب المرتبة بمعنى يكون ترتب طولى بين الحكمين من غير فرق ان ذلك الترتب بين السببين أو ترتب بينهما بالطبع فان ذلك لا يرفع غائلة استحالة الجمع بين الضدين مع تحقق المعية في الوجود

١٢٩

الغرض لم يتعلق بالصور الذهنية بل بالوجودات الخارجية.

ثانيهما انه لا اشكال ولا ريب في ان الامارة منجزة المواقع ومبينة له

__________________

الخارجى زمانا ، فان ذلك يكفى في تحقق استحالة الجمع بين الضدين إذ المعاندة والمطاردة بين الضدين انما يكون بحسب الوجود الخارجى وليس مرتبة الطبع من المراتب الوجودية الخارجية لكي يقال لا تزاحم للموجود في هذه المرتبة كيف وربما يكون المتقدم والمتأخر بالطبع متساويين في نيل الوجود الخارجى الزماني.

وبالجملة ان هذا المعنى من التقدم والتأخر لا ينافي المعية في الوجود فمع تحقق المعية في الوجود الزماني لا يرتفع غائلة استحالة اجتماع الضدين أو المثلين أو اجتماع المصلحة والمفسدة إذ هما يقومان بالوجود الخارجي وقد اجاب المحقق الخراساني (قده) عن تلك الاستحالة بان الحكم الظاهري حكم طريقى غير ناشئ عن ارادة وكراهة بالاضافة الى نفس النبي (ص) او الوصي عليه‌السلام لا بالاضافة اليه تقدست اسماؤه لعدم انقداحهما في نفسه تعالى إذ الارادة عنده جل وعلا عبارة عن العلم بالصلاح فان تعلقت بنظام العالم فهى ارادة تكوينية وان تعلقت بافعال المكلفين فهي ارادة تشريعية ، والذى ينشأ عن ارادة وكراهة في نفس النبي (ص) او الوصي (ع) إنما هو الحكم الواقعى ، واما الحكم الظاهري فهو طريقي محض لا ينشأ عن ارادة وكراهة في نفسهما إذ لم ينشأ إلا لحفظ الواقع لمصلحة في نفسه لا لمصلحة في المتعلق كما هو قضية الحكم الواقعي فعليه لا يلزم محذور اجتماع الضدين إذ هو صورة حكم انشأ لتنجز الواقع عند المصادفة وصحة الاعتذار عند الخطأ إلا انه (قدس‌سره) قد استشكل تأتى الجواب المتقدم في الاصول كاصالة الحلية نظرا الى ان المستفاد من قوله (ع) (كل شىء لك حلال حتى تعلم انه

١٣٠

وكاشفة عنه وانما الاشكال في كيفية البيانية الذي به تصحح العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة وذلك ربما يستشكل فيه.

بيان ذلك ان قيام الامارة على كون صلاة الجمعة واجبة واقعا فيحتمل انها واجبة واقعا فيجب العمل على طبقها اذ بها قد تنجز الواقع ويحتمل ان الواقع

__________________

حرام) هو الترخيص الحقيقى في الاقدام وهو ينافي المنع الواقعي والالتزام بان مفاد اصالة الحل حكم صورى طريقى امر غير ممكن ، ولذا اخيرا التزم كون الاحكام الواقعية فعلية فلا تكون معها ارادة أو كراهة دفعا المحاذير من اجتماع الضدين او الارادة والكراهة او المصلحة والمفسدة. ولكن لا يخفى ما فيه إذ الاحكام الواقعية التي لا ارادة وكراهة معها كيف تتنجز بالعلم مع ان تنجزه بالعلم باعتبار حكايته عن الارادة والكراهة ومع عدم حكايته عنهما لا يكون موضوع اثر في نظر العقل. فالالتزام بعدم حكايته عنهما مع انه لو علم به لتنجز التزام بالمتنافيين فالاولى في الجواب ما ذكره بعض المحققين (قده) عن محذور اجتماع الارادة والكراهة بما حاصله ان الاحكام التكليفية لا تضاد بينهما بحسب أنفسها وانما التضاد يقع بينها بحسب مباديها فلا يعقل ان يكون شيء واحد بما هو شيء واحد واجبا ومحرما باعتبار ان وجوبه ناشئ عن ارادة المولى والحرمة ناشئة عن كراهته إذ مقتضى تعلق الارادة به يكون وجوده ارجح من عدمه ومقتضى تعلق الكراهة يكون عدمه أرجح من وجوده وذلك من المحالات الاولية التي لا يقع فيها خلاف ونزاع وانما الكلام فيما لو كان للشيء جهات من ناحية ايجاده فيمكن ان يريده من جهة ويبغضه من جهة اخرى كما يتصور ذلك في المركب المشتمل على اجزاء كالبيت المشتمل على جدران وسقوف فانه يمكن ان يريد البيت بما يكون مشتملا على الجدران من دون اشتماله على السقوف فتعلق

١٣١

لم يكن واجبا فلا يجب العمل على طبقها وبعبارة اخرى ان صلاة الجمعة في زمان الغيبة يحتمل وجوبها ويحتمل عدم وجوبها فحينئذ لو قامت امارة على وجوبها مثلا فلا يجب العمل على طبقها للاجمال الواقع في مفادها وهو انه هل مفادها حكم مولوى ناشئ عن ارادة جدية مع الموافقة او حكم صورى لم يترتب عليه شيء سوى كون مخالفته تجريا وموافقته انقيادا فاذا كان المفاد مجملا فلا يجب اتباعه كما لو دار الامر بين الوجوب والاباحة لا يجب اتباعه بل هو مجرى

__________________

ارادته بالبيت بما انه مشتمل على الجدران وكراهة بالبيت المشتمل على السقف فيكون البيت الواجد تعلقت به ارادة بالجدران وكراهة في السقف ، واما اذا كان راجحا من الحيثيتين فلا بد وان تنبعث ارادة بايجاد البيت بما له تلك الحيثيتين ولا يعقل ان تحدث كراهة متعلقة بالبيت بما له تلك الحيثيتين او احدهما للزوم المحال وهو اجتماع الارادة والكراهة في الشىء الواحد بما هو واحد.

اذا عرفت ذلك في الارادة التكوينية فاعلم ان الارادة التشريعية على نحو الارادة التكوينية بل هي من سنخها غاية الامر ان الارادة التكوينية تتعلق بالامور التكوينية والتشريعية تتعلق بافعال المكلفين ففعل المكلف المتعلق لارادة المولى له حيثيتان حيثية ايجاد الحكم الشرعى وحيثية ايصاله الى المكلف لكي ينبعث العبد الى ايجاده ، ومع حصول تلك الحيثيتين يكون ايجاد الفعل الخارجى متعلقا لارادة المولى ولا يعقل ان يتعلق كراهة به وإلّا لزم المحال وهو اجتماع الكراهة والارادة في شيء واحد واما اذا تعلقت ارادة المولى بايجاد الحكم فقط من دون مصلحة في ايصاله واعلام المكلف بل كان يكره اعلامه فتكون الارادة تعلقت بغير ما تعلقت الكراهة فلا يحصل التنافى بينهما لاختلاف متعلقيهما فاذا لم تحصل المنافاة بينهما فلا محذور من جعل الترخيص بالنسبة الى

١٣٢

قبح العقاب من دون بيان وبجريان هذه القاعدة يرتفع الاحتمال الحاصل بقيام الامارة. نعم لو كان الاحتمال هو الذى يكون به تمامية الحجة كان رافعا لقبح العقاب بلا بيان.

وعليه يمكن ان يقال بانه لا اثر لقيام الامارة اذ الاحتمال يكون منجزا قبل قيام الامارة فقيامها حينئذ لا اثر له اللهم إلا ان يقال انه ان لم تقم امارة يكون المورد من موارد التخيير أو دوران الامر بين محذورين ولا يتمكن المكلف من الاحتياط وعند قيام الامارة يتعين عليه الاحتمال الذى هو مؤدى الامارة بل ربما تكون مصلحة بقيام الامارة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع على تقدير عدم المصادفة. ولا يخفى ان هذا الاشكال انما يجرى في صورة

__________________

الجهة المتعلقة به الكراهة إذ تلك الجهة لم تتعلق بها الارادة وبذلك لا تحصل المنافاة بين الحكم الواقعي والترخيص والرضا بالمخالفة إذ الترخيص في ظرف الشك لا ينافي الارادة الواقعية لتعلق الارادة بالوجود من حيثية جعل الحكم فقط والترخيص بلحاظ جهة الاعلام وهذه الجهة ليست موضوعا للارادة حسب الفرض نعم لا يعقل تحقق الترخيص لو كان الواقع مرادا من الحيثيتين حيثية ايجاد الحكم وحيثية ايصاله ولو كان بايجاب الاحتياط.

فظهر مما ذكرنا انه لا تنافى بين الاحكام الواقعية والتعبد بالامارة او الأصل لعدم لزوم اجتماع المثلين في مورد الاصابة إذ التعبد نشأ عن ارادة الوجوب من جهة اقامة الحجة على الحكم لا من جهة الحكم ولعدم لزوم اجتماع الضدين في صورة عدم الاصابة لو كان الواقع الزاميا اذ التعبد حينئذ وان كان حاكيا عن الترخيص إلا انه لا ينافي الارادة الواقعية لما عرفت من اختلاف الجهة فمن جهة الحكم يكون مريدا ومن جهة الايصال يكون كارها فلا تغفل.

١٣٣

الانسداد لا في صورة الانفتاح وبهذا الاشكال نورد على كل من قال بكون قيام الامارة على نحو الطريقية ولا يرد على من قال بكون الامارة على نحو الموضوعية. وقد عرفت منا سابقا بان المختار في الامارات انها على نحو الطريقية لا الموضوعية وان العقاب والثواب على الواقع المجهول لا على قيام الامارة وانها كالاصول الجارية في مواردها فكما ان الاصول يبعد القول بالموضوعية فيها كذلك الامارات.

ودعوى انه يبعد القول بالطريقية في الامارات بل هي وظائف شرعية ممنوعة بان الطريقية لها معنيان الاول بتنجز الواقع الثانى جعله طريقا للواقع المجهول والمراد بالطريقية هو المعنى الاول الذى يعم الامارات والاصول لا الثاني الذي يختص بالامارات إذ هي جعلت طريقا هذا غاية ما يمكن في توجيه الاشكال وقد اجيب عن ذلك بوجوه الاول ما عن الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية بما حاصله ان المجعول في باب الامارة هو الحجية لكونها من الامور الاعتبارية القابلة للجعل وجعلها يستتبع حكم العقل بوجوب اتباعها وكونها قاطعة للعذر ولكن لا يخفى ما فيه إذ الحكم العقلي لا يستتبع جعل الحجية فان العقل الحاكم بوجوب المتابعة يتبع الكاشفية من دون توقفه على جعله على ان الحجية لا معنى لجعلها ودعوى انها القاطعة للعذر والمصححة للعقوبة على الترك ممنوعة إذ سببية شيء لشيء انما تكون ناشئة عن أمر تكويني يوجب تأثيره في المسبب فلذا لا تنالها يد الجعل ، فالحجية بهذا المعنى غير قابلة للجعل الشرعي.

ودعوى أن مرجع جعل السببية الى جعل المسبب عند تحقق السبب كما ان الدلوك مثلا سبب لوجوب الصلاة فانه يرجع الى ان وجوب الصلاة عند

١٣٤

الدلوك ممنوعة فإن لازم ذلك ان يكون المسبب قابلا للجعل كما هو كذلك بالنسبة إلى وجوب الصلاة فقد جعل وجوبها عند الدلوك وليس المقام من هذا القبيل إذ المسبب في المقام وهو حكم العقل باستحقاق العقوبة غير قابل للجعل الشرعي لكي يجعل عند تحقق الامارة على ان ما ذكر في الجواب مختص بالامارات لا يشمل الاصول وقد يجاب عن ذلك بما افاده بعض الاعاظم (قده) بأن المجعول في باب الطرق هو الكاشفية والطريقية الموجب لصيرورة الظن وسطا فيكون من مصاديق العلم فيترتب عليه ما يترتب على العلم من الحجية والمنجزية والقاطعية للعذر ولكن لا يخفى ان ذلك يتم في الامارات دون الاصول لعدم الكشف فيها على انه لو سلمنا كون المجعول هي الكاشفية لارجاع ذلك الى نحو من الادعاء والتنزيل لكي ستتبع انطباق العلم عليه فيحتاج ذلك الى اثر شرعي لكي يصح التنزيل كما هو كذلك في بقية التنزيلات الشرعية ومرجع التنزيل في الامارة ليس إلا بالامر بمعاملتها معاملة العلم فحينئذ تشترك مع الاصول غاية الامر انها في الاصول أمر مجعول بدوي من غير ان يستكشف من شىء أو في الامارات امر مجعول بجعل الطريقية وإلا فلا معنى لجعل الكاشفية والمحرزية إذ هي امر تكوينى واقعي ليست من الحقائق الجعلية.

وعليه يقع الكلام في هذا الامر المتولد من الكاشفية هل هو طريقي أو موضوعي يستتبع العقوبة على مخالفته والمثوبة على موافقته اما كونه موضوعيا فلا يلتزم به أحد فينحصر في كونه طريقيا وعليه يتوجه الاشكال المذكور بأنه أمر لا يجب امتثاله لكونه محتملا للوجوب مع موافقته للواقع كما انه محتمل لكونه صوريا مع مخالفته للواقع فمع الشك في ذلك فالمرجع البراءة وقد

١٣٥

اجاب عن هذا الاشكال بعض الاجلة بأن أوامر الطرق هي طريقية ناشئة عن ارادة جدية شرعت لحفظ الواقع نظير ما لو اختلطت جوهرة ثمينة مع احجار بنحو لا يمكن تمييزها من بين تلك الاحجار فتتعلق ارادته بأخذ تلك الاحجار ومن الواضح ان هذه الارادة المتعلقة بأخذ الاحجار ليست إلا طريقية لتحصيل ذلك الحجر الثمين ، وكما ان الامر في الارادة التكوينية تكون طريقية كالمثال المذكور كذلك بالنسبة الى الارادة التشريعية المتعلقة بفعل الغير فالامارة المصادفة للواقع تكون بمنزلة ذلك الجوهر الثمين والامارة المخالفة للواقع تكون بمنزلة تلك الاحجار ولكن لا يخفى ما فيه إذ ما ذكر من المثال ليس إلا ارادة واحدة تعلقت بتحصيل ذلك الجوهر الثمين ولكن لما لم يكن منجزا واحتمل انطباقه على كل حجر صار نفس الاحتمال منشأ لأخذ تلك الاحجار وذلك من قبيل الاحتمال المحرك لأطراف العلم الاجمالى فلم يكن هناك ارادات متعددة حتى يقال انها نفسية ام طريقية بل ليس إلا ارادة واحدة تعلقت بالمطلوب الواقعي وان المحركية قد تعددت بتعدد الاحتمال على انه لو سلم تعدد الارادة فذلك بالنسبة الى الجاهل بالواقع لا بالنسبة الى العالم إذ لا يعقل تعلق ارادته إلا بمطلوبه الواقعي كما في المقام حيث ان الشارع لما كان عالما بالواقعيات ومميزا بين الامارة المطابقة وبين غيرها فلا معنى لجعل الامارة المطابقة وغير المطابقة حفظا للواقع إلا بدعوى ان الارادة المتعلقة بالمجموع مقدمة لتحقق مرامه ليحصل للمكلف الداعي الى الاتيان بالجميع لكي يحصل مطلوب المولى ضمنا ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو قلنا بكفاية المصلحة في نفس الامر وهو محل منع.

ثم انك قد عرفت ان الالتزام بجعل الحجية بناء على انها قابلة للجعل

١٣٦

او الالتزام بجعل الحجة بناء على ان الحجية كالسببية والشرطية والمانعية التي غير قابلة للجعل فيكون معنى جعل الحجة عبارة عن جعل مؤدى الامارة حجة كالعلم وان كانا يفترقان فان العلم حجة عقلية والامارة حجة تعبدية لا يرفع الاشكال لاختصاص ذلك بالامارات فلا يشمل الاصول مضافا الى انه يرد عليها انه بناء على الالتزام بجعل الحجية او جعل الحجة يوجب رفع اليد عن ظهور دليل الاعتبار فانه ظاهر في المولوية والحكم التكليفي فصرفه عن المولوية الى الامر الارشادي وعن الحكم التكليفى الى الحكم الوضعى رفع لظهور دليل الاعتبار فالحق في الجواب هو انك قد عرفت منا سابقا ان الخطاب الواقعي لا يكون حافظا وسادا للاعدام الناشئة من المرتبة الثانية وهي مرتبة الجهل بالواقع فسد الاعدام الناشئة من المرتبة الثانية تحتاج الى خطاب آخر وهو الطرق فايجادها يكون كاشفا عن ارادة ثانية متعلقة بالواقع وحينئذ يكشف عن كثرة الاهتمام بالواقع فلا يرضى المولى بترك الواقع في كلتا الحالتين وهما العلم والشك وبذلك يكون رافعا لقبح العقاب من دون بيان إذ المراد من البيان ما يصح معه العقوبة على المخالفة وهنا كذلك إذ لما علمنا بان الواقع مما اهتم به فلا يرضى الشارع بتركه على تقدير مطابقة الامارة للواقع فيجب العمل على طبقها من جهة احتمال مطابقة الامارة للواقع.

وبما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين الامر المجمل إذ الامر المجمل لما كان مرددا بين الاباحة والوجوب ولم يكن على تقدير ارادته في أحد الطرفين مما يطلب لم يكن بيانا بل يكون في ظرف اللابيان فيتحقق موضوع قبح العقاب بلا بيان بخلاف ما نحن فيه فانه يريده ولا يرضى بتركه على تقدير المطابقة فيرفع

١٣٧

قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلذا صح معه العقوبة. ومن هنا صح لنا دعوى ان المنجزية في الامارات هو احتمال المنجزية بتقريب ان اوامر الطرق كشفت عن ارادة الواقع في ظرف الجهل بها فيكون التكليف المحتمل في مورد المطابقة كان مبينا بهذه الاوامر ويكون مما قام عليه البيان فلا يبقى موضوع لحكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ،

وبالجملة الاوامر الطريقية صالحة لكونها بيانا في مورد المصادفة ومع صلوحها تصح العقوبة عليها فلا يتحقق والحال هذه موضوع القاعدة وبما ذكرنا يفرق بين المقام والشبهات البدوية فانها في مورد مصادفة الاحتمال للواقع لم يقم عليه البيان الواصل ومع عدم تحقق البيان دخلت الشبهة تحت موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان. والحاصل ان البيانية في الامارات على تقدير المصادفة متحققة وهي نصب الطرق وفي الشبهات البدوية لم يكن هناك بيان على تقدير مطابقة الاحتمال للواقع وتظهر الثمرة بين المختار وبين بقية الوجوه في نتيجة دليل الانسداد فعلى المختار تكون النتيجة هى الحكومة أي يحكم بتعيين العمل بالظن لانه لما علمنا بعدم رضاء الشارع بترك الوقائع مع انا لسنا بمهملين نجزم بان الشارع يريد منا الواقع فيكون منجزا وبمقتضى المقدمة الرابعة يتعين العمل بالظن وذلك معنى الحكومة ومقتضى بقية الوجوه تكون نتيجة الانسداد هو الكشف حيث ان الشارع لم يرفع اليد عن الواقعيات كان من اللازم نصب الطرق المسماة بمتمم الكشف وبمقتضى المقدمة الرابعة انا نستكشف ان الشارع عين لنا الطريق وليس إلا الظن هذا تمام الكلام في امكان التعبد بالظن.

١٣٨

وقوع التعبد بالظن

المبحث الثانى في وقوع التعبد بالظن فنقول لا اشكال ولا ريب في عدم جواز التعبد بالظن فيما لو شك في اعتباره وقد استدل الشيخ (قدس‌سره) عليه بالادلة الاربعة فمن الكتاب قوله تعالى : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ومن السنة (رجل قضى بالحق وهو لا يعلم) ومن الاجماع ما ادعاه الوحيد البهبهاني (قده) من ان حرمة العمل بما لا يعلم من البديهيات بين العوام فضلا عن الخواص ومن العقل اطباق العقلاء على تقبيح العقل على تشريعه واسناد ما لا يعلم انه منه (١) وقد اشكل على ذلك الاستاذ (قده) بما حاصله

__________________

(١) لا يخفى ان الاستدلال بالآيات والاخبار على حرمة التعبد بما ليس يعلم على تقدير الاستفادة منها ليس بحثا عن مسألة اصولية وانما هو بحث عن مسألة فرعية خارجة عن مقاصد الكتاب مضافا الى ان التمسك بمثل ذلك بحرمة العمل بما يشك في اعتباره من قبيل التمسك بالعام فيما شك في فرديته كالتمسك بعموم اكرام العلماء لوجوب اكرام ما شك في كونه عالما.

بيان ذلك هو ان المستفاد من هذه العمومات هو عدم العمل بالظنون الذي لم يلغ فيها احتمال الخلاف فلو جاء دليل خاص او عام يدل على الغاء احتمال الخلاف عما يفيد الظن يكون حاكما على تلك الادلة فمع الشك في كون هذا الظن مما الغي فيه الخلاف ام لاقى الحقيقة يرجع الى الشك في فردية العام ولا اشكال في عدم

١٣٩

ان جواز الالتزام ونسبة مؤدى الحجية اليه تعالى ليسا من آثار الحجية

__________________

جواز التمسك بالعام مع الشك في الفردية ولو قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية اللهم إلّا ان يقال بان نسبة ادلة الحجية الى الادلة المانعة من قبيل نسبة المخصص الى العام فالشك في حجية شيء يكون من الشك في المخصص فيرجع فيه الى عموم العام بكونه من الشبهة المفهومية وإلّا لما جاز التمسك بادلة الاصول عند احتمال وجود الحجة على خلافها والتالى باطل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جواز التعبد بالامارة والالتزام بمؤداها على انه حكم الله تعالى هل يلازم حجيتها بنحو يستكشف من حرمة التعبد عدم الحجية او انها ليست من اللوازم إذ قد تكون الامارة حجة مع عدم جواز التعبد والنسبة الى الشارع اختار المحقق الخراساني (قده) الثاني فقال ما لفظه :

(واما صحة الالتزام بما ادى اليه من الاحكام صحة نسبته اليه تعالى فليسا من آثارهما ضرورة ان حجية الظن عقلا على تقدير الحكومة في حال الانسداد لا يوجب صحتها) خلافا للاستاذ النائيني (قدس‌سره) فانه قال بالاول نظرا الى ما بنى عليه من جعل الطرق وجعل المحرزية والوسطية في الاثبات فيكون حال الامارة حال العلم فكما انه لو علم بحكم فيجب التعبد به ويصح النسبة الى الشارع فكذلك كون الامارة حجة إذ معنى حجيتها جعلها كالعلم كما انه يتم الاستدلال بالآيات والاخبار على حرمة التعبد بما لا يعلم وقبح ما يسند الى الشارع لكونه من التشريع المحرم على ما بنى عليه الشيخ (قده) من تتميم الكشف نعم لا يتم ذلك على مبنى المحقق الخراساني (قدس‌سره) من جعل الحجية فان التعبد والاسناد الى الشارع ليس من لوازمها ولا يلزم من عدمها عدم الحجية واما الظن الانسدادي على الحكومة فليس من لوازمها التعبد والاسناد على جميع المباني لما سيأتي ان شاء الله تعالى من ان معنى كون

١٤٠